بصمات لا تُمحى: دروس الحب بعد فوات الأوان
كبر والدي في السن، وبدأ يسند خطواته المتعبة على جدران منزلنا. كان كلما مرَّ، ترك وراءه بصمات خفية لكن واضحة، بصمات قلبه قبل يديه. لم يمر وقت طويل حتى لاحظت زوجتي آثار أصابعه المتناثرة وراحت تشكو منها كأنها وصمة، بلغة العتب أحيانًا واللوم أحيانًا أخرى.
في أحد الأيام، شعر والدي بصداع فدلك رأسه بزيتٍ علّه يجد راحة. لكن الزيت تسلل إلى أطراف أصابعه ليترك بقعًا إضافية على الجدران. رأت زوجتي ذلك، وكان المشهد يفوق احتمالها. بصوت غاضب، صرخت بي. وبدل أن أكون سندًا لوالدي، انفجرت في وجهه أنا الآخر:
“رجاءً! توقف عن لمس الجدران، ستجعلها قبيحة!”
لم يرد والدي. نظر إلي بنظرة ما زالت تحرق قلبي حتى اليوم، تلك النظرة التي حملت ألمًا أكثر مما توقعت.
منذ ذلك اليوم، توقف والدي عن الاستناد للجدران، وكأنني أحرقت ثقته وحاجته للدعم. وبعد فترة قصيرة، سقط. سقط بقسوة صمتي وقسوتي. لم يمر وقت طويل حتى أصبح طريح الفراش ثم تركنا… إلى الأبد.
الندم لا ينسى.
عندما أردنا طلاء المنزل بعد رحيله، جاء الرسامون. لكن صغيري، الذي كان يعشق جده، وقف أمامهم بثبات:
“أرجوكم، لا تمحوا بصمات جدي.”
نظروا إليه بدهشة، ثم بابتسامة ملؤها الدهشة والاحترام. اقترحوا فكرة جميلة: رسموا دوائر حول البصمات وجعلوها جزءًا من تصميم المنزل. أصبحت تلك البصمات لوحةً فريدة تتوسط المكان، وصارت مصدر إعجاب كل من زارنا.
مرّت السنون وها أنا ذا، رجلٌ شابت خطواته. وجدت نفسي بحاجة لنفس الجدران التي اتكأ عليها أبي. حاولت أن أمشي بدون دعم، ربما لأهرب من ذكريات خطأي. لكن ابني لاحظ ذلك وركض إليَّ بلهفة:
“أبي، اتكئ على الجدران! لا أريدك أن تقع مثل جدي.”
كلماته اخترقتني كسهام حب. أتى حفيدتي الصغيرة مسرعة وقالت لي برقة:
“تعال، ضع يدك على كتفي، فأنا هنا لأحملك.”
ارتعشت، ودمعت عيناي بصمت. لو أنني فقط قلت يومًا لوالدي ما قالته لي حفيدتي، لو مددت له يدي كما مدوا لي.
في اليوم التالي، جلست حفيدتي بجواري تحمل دفتر رسمها بفخر. كان الرسم عبارة عن بصمة يد على الجدار مع تعليق من معلمتها: